نبيل فكري .. يكتب: فلسطين .. الاحتلال و«عين الحلوة»
كل يوم، اعتدت قبل أن تكون أول إطلالة لي على الصحافة والأخبار، على فلسطين، وكأنها «فرض عين» .. إن لم نستطع أن نفعل شيئاً، فعلى الأقل نُعلي صوتها ونجاهر بمحبتها ورفضنا لما يحدث لأهلها من تقتيل وترويع وتضييق في الأرزاق وبلطجة إسرائيلية مقيتة باتت كل لحظة وفي كل درب .. يقتلون، يأسرون، يقتحمون القرى والمدن، يروعون الناس، ينهبون البيوت من أهلها، يقتحمون الأقصى، يمنعون الصيادين من الصيد، وكثير من المشاهد التي أصبحت طقوساً يومية، يقابلها بيان دائم من الخارجية الفلسطينية التي ملَّت من العالم ومن أن يفعل جديدا.
أنا شخصياً أقاوم هذا الملل وهذا الغيظ من ذلك الصمت الرهيب إزاء ما يحدث.
زمان، كان الاحتلال يتجرأ مرة كل فترة، فيقتحم الأقصى مثلاً في العام مرة أو مرتين، لكنه اليوم يقتحمه في الصباح وفي المساء .. زمان كان استشهاد شاب فلسطيني مدعاة للشجب والتنديد والتظاهر، اليوم يقتلون صباح مساء .. زمان كان اقتحامهم للقرى والبلدات على خوف وخجل وتحت أستار الظلام .. اليوم يفعلونها كل ساعة.
هذا عن الاحتلال، لكن المُبكي هو حال الفلسطينيين أنفسهم، فإذا كنا قد سمينا أفاعيل الاحتلال خسة وندالة، ماذا نسمي ما يفعله الفلسطينون بأنفسهم في مخيم «عين الحلوة» جنوبي لبنان، إذ يتناحر الفلسطينيون مع أنفسهم ويقتلون بعضهم بعضاً .. تُرى كيف نقنع العالم أو حتى أنفسنا بإرهاب الاحتلال ونحن نمارسه فيما بيننا.
أمس، وحسب بيان للوكالة الوطنية اللبنانية، قالت إن عدد ضحايا الاشتباكات في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين ارتفع إلى أربعة قتلى و60 مصاباً، وفي اشتباكات يوليو الماضي، حصدت هذه الاشتباكات على الأقل أرواح 11 شخصاً، ماتوا ثمناً لقضية غير القضية ونضال غير النضال وإجابة لأبشع سؤال.
حاولت جاهداً أن أعرف جذور القضية، ولماذا يتناحرون .. ما الذي يدفع لاجئاً في وطن غير وطنه، للقتال بهذه الشراسة ؟ والسؤال الأنكى: لماذا تركوا العدو، وباتوا هم العدو؟.
تتوه وأنت تبحث عن إجابة، وتبكي وتصرخ حين تدرك أنه باختصار صراع بين حركة فتح وجماعات متناحرة أخرى، وتقرأ عن اغتيال اللواء العرموشي وما خلَّفه من فوضى وصراعات وتساؤلات، وتناحر سلطات .. يتقاتلون على وطن يئن، في وطن يئن.
أمر عجيب وغير قابل للتصديق .. بدلاً من أن توحدهم المأساة فرقتهم أكثر .. بدلاً من أن يناضلوا للعودة من الشتات، تسكنهم الفرقة والانفلات، بدلاً من أن يتكاتفوا لنجدة أهليهم في المعسكر، يصبحون سبباً في نزوح كثير من العائلات من المعسكر، إلى مصير أنكى لا أحد يعلم منتهاه.
هنا تتساءل: كيف ينظر العالم إلى ما يفعل الفلسطينيون بأنفسهم، وكيف سيقرأ العالم ما نقوله عن الاحتلال ونحن نفعل بأنفسنا ما يفعلون .. كيف سيندد بالقتل ونحن نقتل أنفسنا .. كيف سيندد بالمستوطنين، ونحن نُجبر أهلنا على الرحيل من معسكر لاجئين .. كيف سيكون له قلب ونحن بلا قلب.
أنا لا يعنيني العالم، ولا ردة فعله ولا بياناته .. ما يعنيني نحن .. ما يعنيني فلسطين التي سكنت القلب عُمراً، قُدساً ونضالاً وتضحيات .. كيف استباح فريق من أهلها قضيتها وحولوها إلى مآسٍ وبيانات .. كيف نريد أن نحل القضية ونحن «شر البلية».